المعطى الأول و الحقيقي انه في بلدان العالم
سواء كانت الفقيرة أو الغنية المتقدمة أو المتأخرة ذات النظام الجمهوري الديمقراطي أو الملكي الوراثي سواء كانت
شعوبها حية أم ميتة في
عداد الأحياء ظل العمل النقابي الأمني بها نادرا جدا
و حتى ان وجدت بعض النقابات في بعض
البلدان فان عملها يقتصر ضرورة على
المطالبة السلمية بالحقوق الاجتماعية و
تحسين ظروف عمل منخرطيها لا غير ...
في تونس
كانت الدولة سباقة في البدع
من خلال فسح المجال واسعا للعمل النقابي
الأمني حتى صارت النقابة نقابات و
صار كل امني نقيبا فتاه
المواطن بينها بعد ان بانت
في شكل خليط من الألوان المختلط
لا تفرق بين السمين فيها و الغث قاسمها
المشترك أنها جميعها أصيبت
بعمى الألوان ...
المؤكد اليوم ان
تجربة النقابات الأمنية تعد الاسوء التجارب و أكثرها تعفنا
رغم كون الدستور في فصله 36 فرض حدودا
على العمل النقابي الأمني و
قيده حيث سمح بالعمل النقابي في السلك بشرط أن لا ينخرطوا أعوان الأمن في العمل السياسي و تقتصر مطالبهم و اهتماماتهم على
تحسين الوضعية الاجتماعية لمنخرطيهم كما لا يمكنهم الانضمام إلى المنظمات الشغلية...
الابتزاز
المفضوح
الإقرار بان تجربة العمل النقابي الأمني
في تونس هي تجربة سيئة للغاية ليس
من باب سد المنافذ
على رجال الأمن و حقهم المعلوم في تحسين
ظروف عيشهم فكم من
مرة هنا في هذه الصحيفة وقفنا وقفة رجل واحد ضد الانتهاكات التي
تنخر الجسد الأمني و كم من مرة رفعنا
لواء الدفاع عنهم و عن حقوقهم و
تحسين ظروف حياتهم المهنية و لكن ليس بمثل
هذه الأساليب تكون المطالب ...
تحت جلباب الإرهاب
و في إطار موجة الهجمة العمالية الشرسة التي اجتاحات
البلاد و التي رفعت شعار المطلبية انساقت النقابات الأمنية في هذا التيار فبدل ان تكون
متعففة و تظهر بصورة منيرة تمنح المثال لبقية شرائح المجتمع في المطالبة السلمية ظهرت
بصورة مقززة و تجاوزات خط
الهمجية و راحت تنهل من
معجم الابتزاز مستغلة حالة التشذرم التي
تعيش على وقعها البلاد و خاصة ملف الإرهاب لتفرض
كل مطالبها قسرا و عنوة ..
كما استغلت الوضع الحساس
و الهش و حاجة الناس إلى الأمن و الأمان لتملي
على الدولة شروطها و تصبح الفاتق
الناطق بل رسخت مفهوما
جديدا في الشارع التونسي و
طبعت نفسها بمسمى جديد فتحولت النقابات الأمنية إلى أشبه ما يكون بالأحزاب السياسية المسلحة و تحولت معها قياداتها
إلى بيادق لبعض الأحزاب حيث عاجت تبحث
لها عن شهرة مزيفة جعلها
تنتهك حتى حرمة التحقيق و تسرب
محاضر بحث أمنية من
اجل صناعة الشو أو البوز لرغبة تسكنها مفادها عشق
هلامي للأضواء الإعلامية ..
لم تكتف النقابات الأمنية بذلك بل تجاوزت كل الحدود و حشرت انفها
في الشقيقة و الرقيقة و أصبحت تفرض
نفسها في
التعيينات فمرة ترضى عن الوزير
الفلاني و مرة تعاكس الوزير العلاني و ترفضه
في مشهد تريد من خلاله فرض ولاءاتها و أسماءها الطيعة التي
تستطيع تركيعها .و طالبت
حتى بحمل السلاح خارج أوقات العمل تحت
تعلة ضمان لحمايتهم و كان لها ذلك
رغم ما خلفه من هول وكوارث
جدت نتيجة لذلك و أشنعها حادثة القصرين التي راحت
فيها شقيقتين ضحية فضلا عن استفاقة البلد يوم
بعد يوم على جريمة قتل مسترابة بطلها
عون الأمن استعمل
فيها سلاحه ...
ثورة البوليس
التحركات الأخيرة التي
أتتها النقابة الأمنية كانت بمثابة
انقلاب السحر على الساحر فبقدرما نجحت
النقابة في فرض مطالبها بقدرما نجحت في إعادة صورة البوليس
قبل الثورة إلى أذهان
التونسيين و الني لطالمت
عملت المؤسسة الأمنية على
محوها من
المخيلة التونسية الشعبية بعد
ان بدلت صورة مشينة
مقززة كخادم للنظام في وقت سابق
إلى صورة البوليس الوفي لبلده دون سواه ... و اوحت التحركات أننا
قاب قوسين أو أدنى من انقلاب امني
و بتنا نعتقد
انه لا غرابة ان نجد مستقبلا أمنيين
يطمعون في المشاركة السياسية و يطالبون
بحقهم في الانتخاب و ترشيح احد
منهم على رأس قائمة تخوض الانتخابات التشريعية و لما حتى التقدم إلى الانتخابات الرئاسية فالكل متاح و مباح من حملة السلاح ...
أول
الغيث وقفة خطرة
في باب
ترتيب الوقفات الاحتجاجية أمام المؤسسات
السيادية نورد الوقفة الاحتجاجية التي قام بها الامنيون أمام ثكنة العوينة للمطالبة
بتنحية آمر الحرس بتاريخ 15 ماي 2014 و كالعادة ارتفعت في الوقف امام
مراى و مسمع الجميع و امام
كاميروات التلفزات و مصادح
الإذاعات الأصوات المطالبة بالرحيل آمر الحرس و بالكشف عن الأسباب وراء استشهاد أعوان الحرس الوطني
في مشهد
اهينت فيه مؤسسة الحرس الوطني و حطت من شانها
على اعتبار التجاوز الحاصل على الرئيس المرؤوس و ما زاد طين بلة ان الاحتجاجات
ساعتها أدت إلى نشوب احتجاجات مع حراس الثكنة و قد صدر في الإعلام ان الوقفة الاحتجاجية مدفوعة الأجر و ان وراءها أموال ضخت
لأسباب قيل أنها سياسية بحتة
مؤسسة الرئاسة في مرمى الاستهداف
تظاهر مئات من عناصر الأمن
التونسي الاثنين 25جانفي الفارط أمام قصر الرئاسة في قرطاج للمطالبة بزيادة رواتبهم
مرددين شعارات طالبوا فيها بالزيادة في الرواتب.وطالبت هذه النقابة بزيادة بمبلغ 700 دينار أي
ما يعادل في الرواتب الشهرية لعناصر الأمن، وهو مطلب رفضته الحكومة لأن انعكاساته المالية
على ميزانية الدولة لسنة 2016 ستكون في حدود مليار دينار واقترحت السلطات في المقابل
زيادة في الرواتب بمبلغ 450 مليون دينار يتم صرفه على أربع سنوات اعتبارا أكتوبر
2016.
التظاهرة التي جاب تالشوارع
سيرا على الأقدام أمنها قرابة
ألف بوليسي أرادوا من خلالها و عبر استعراض
امني فرض مطالبهم على رئاسة الجمهورية التي لم تجد من بد سوى
الاستجابة لطلباتهم تأمينا مناخ اجتماعي
سليم خاصة و ان تلك الاحتجاجات الأمنية جاءت بعد موجة احتجاجات شعبية شهدتها مناطق أخرى في تونس
خلال نفس الشهر وأجبرت السلطات على فرض حظر
تجول ليلي في البلاد.
استعراض عسكري
في خطوة
ثالثة قامت النقابات الأمنية بشبه استعراض عسكري أمام مقر رئاسة الحكومة بالقصبة،
رافعين شعارات تعلن التمرّد على الدولة.و في خرق واضح للقانون اخترق الامنيون المحتجون
الحاجز الأمني ونظموا وقفتهم أمام مدخل مكتب رئيس الحكومة في حين أن المنطقة مغلقة. ورفعت لأول مرة شعارات واضحة ضد مدير
عام الأمن الوطني عبد الرحمن الحاج علي ومطالبته بالرحيل واتهامه بأنه من أزلام النظام
السابق.وطاف المحتجون بمقر الحكومة في عمل أشبه بالتطويق
الأمني لمن بداخل المقر رافعين شعارات ضد الحكومة ورئيسها .ومن بين الشعارات التي رفعها المحتجون ايضا :
“أحنا جينا يا سادة والانتصار كيف العادة”يا بلحاج علي البركة فيك بن علي هرب عليك”
..”لا لا منيش مروح” ..”ديقاج”..”نقابة نقابة تحمينا من العصابة”..”يا ناري عليكم الوطنية
صعيبة عليكم”. و يا صيد يا جبان
البوليس لا يهان ... و غيرها من
الشعارات النابية التي لم توحي
الا كوننا ازاء مشهد يوحي
بانقلاب امني ...
ارتهان الحكومة و ضعفها
سمحت الترويكا
في عهدها بصمتها تجاه تجاوزات النقابات الأمنية على انفلات
الوضع النقابي الأمني حيث
لم يتخذ مثلا إي
إجراء قانوني ردعي ضد حادثة رفع شعار “ديقاج” التي رفعتها النقابات الأمنية في 18 أكتوبر 2013 في وجه
رئيس الجمهورية المؤقت انذاك محمد المنصف المرزوقي
و رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر و رئيس الحكومة المؤقتة وقتها علي العريض،رغم
ما أثارته من ردود فعل متباينة و اكتفت
وزارة الداخلية بإصدار بيان يتيم جاء
فيه بأنّ العمل النقابي المسؤول هو
الذي يحترم قواعد الانضباط و يدافع عن الحقوق المادية والاجتماعية والمعنوية لكافة
الأعوان طبق المرسوم عدد 42 لسنة 2011 المؤرخ في 25 ماي 2011
و مع
ترك الحابل على الغارب تمادت
النقابات و لم تجد من
احد يردعها حتى ان
الحكومة الحالية التي يقودها الحبيب
الصيد بانت ضعيفة في موقفها و انتهت
برفع قضية للقضاء لمحاسبة المتورطين بيد انه
كان عليها لزاما
ان تكون هي الأولى الرادعة و تتخذ موقف حازما و عاجلا أو لم
ينص القانون ان النقابات الأمنية تخضع لقانون الجمعيات و عليه فإنّ حلها يقتضي إصدار
حكم قضائي فلم لم تسارع الحكومة في حلها على اعتبار ان في حلها منفعة لكل الأطراف بما
فيهم الأمنيين أنفسهم ... خوفنا حتما ان
نعود للوقوف على مقولة
الوزير السابق لزهر العكرمي عند
استقالته ان هذه الحكومة ليس بحكومة
الأيادي المرتعشة بل أنها حكومة
بلا يدين أصلا لكي ترتعش ...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire