المرحوم عادل بن علي مع ابنه طه عزيز
لعلّ أزمة البلاد التونسية إنما هي أزمة "الطبقة" السياسية
الراهنة، هذه الطبقة التي لم تقدر أبدا على الارتقاء إلى مرتبة "النخبة" السياسية
الفاعلة... بل إن أمر البلاد وشأنها السياسي تديره طبقة خاوية تزعم احتكارها للفعل
السياسي، وهي تريد أن تَتسمَّى ب"النخبة".... غير أنها أبعد ما تكون عن
تطبيق مصطلح النخبة، بدلالاته الإيجابية، في مشروع المفكر اليساري الإيطالي "غرامشي"
حول "المُثقّف العُضْوي".
وليست النخبة سوى
تلك التي تُصنف قديما ضمن ثنائية ذات طبقتين: طبقة "الخاصّة" في
مقابل طبقة "العامة"... وخاصّة القوم هي التي تنتصب لإدارة شأن
البلاد والعباد وتصريف دواليب الدولة. وللأسف فإن خمس سنوات عجاف جرداء، قد مرّت
والبلاد تتردّى أحوالها السياسية والاقتصادية والأمنية، بإقرار كل الملاحظين
والمحللين.
ولقد ثبت يقينًا، أن
المعارضة التقليدية التي ناكفت طويلا دولة الاستبداد من "بورقيبة" إلى
"بن علي"... إنما كانت معارضة تشبه الطبل الفارغ، يُصدر دويّا ويَقْرع
صوتًا، لكنه سرابٌ خُلّبٌ بلا قوّة... كانت معارضة قائمة من أجل السلطة ومنافع
الحكم ووما يستجلبه من رَيْع وفَيْء، ولم تكن تحمل مشروعا متكاملا للتغيير أو
الإصلاح، لقد اتضح أنها معارضة فاشلة وانتهازية حتى النّخاع...
انكشف ذلك بمجرد سقوط
نظام "بن علي". فقد فشلت تلك الطبقة السياسية التي تدعي الثورية
والنزاهة والشرف والطهارة والوطنية، فشلت في أن تنهض ولو جزئيا بالدولة الوطنية،
وتعاقبت الحكومات وتتداول قرابة 200 وزير على مناصب الدولة تداولا شكليا باهتا دون
أثر إصلاحي، وأُسْندت المناصبُ لغير أهلها، وتكَالبت ذئاب عُواةٌ جياعٌ على ضَرْع
الدولة حتى أَدْمَتْهُ.
كانت النتيجة، خيبة
مُدويّة... فدائرة الفقر قد اتّسعت بشكل مخيف، وازدادت نسبة البطالة، وتفاقم
الحَيْف الاجتماعي، وانتفخت بطون الأغنياء في احتكار مَقيت لموارد الدولة..
فاهْتَرَأ التعليم، وانهار قطاع الصحة... والأَدْهى من ذلك إنما هو سقوط منظومة
القيم الأخلاقية الجماعية سقوطا موجعا فانتشرت الجريمة والتهريب والإرهاب وأعمال
اللصوصية والنهب والغش وكل أفانين الاحتيال.
هذا الفشل الذي رافق الطبقة
السياسية التونسية، ينطبق في أنموذجه الصارخ على الوزير "ياسين إبراهيم"...
لم ينتم الرجل سابقا إلى المعارضة التقليدية بل كان شخصا غُفْلاً غير معروف، ثم
ظهر فجأة في الحكومة الأولى بعد الثورة مثل كثير من الانتهازيين والوصوليين، وشغل
خطة وزير للنقل.
ماذا أصلح في هذه
الوزارة؟ هل قدر على حل مشاكلها وأزماتها؟
لم يفعل الرجل شيئا سوى
إغراق الوزارة في أزمات إضافية وعميقة وتعلقت به شبهات فساد في انجاز
الصفقات، خاصة منها مصادقته على إتمام صفقة شراء طائرات رغم علمه المسبق بأن
الناقلة الجوية ليست في حاجة إلى تلك الطائرات، وأن تلك الصفقة ستفضي إلى انهيار
التوازن المالي للمؤسسة.
ثم بادر الرجل الى تأسيس حزب
سياسي صغير حصل فيه بفضل نظام الاقتراع المزيف على بعض المقاعد تحت يافطة
الليبرالية الأوروبية الفرونكفونية القادمة من العالم الغربي .
من يدعم هذا الرجل؟ ومن يوفّر
له الأموال؟
يبدو أن "ياسين
إبراهيم" مدعوم فعلا من دوائر أجنبية خاصة سواء كانت جهات سياسية واستخبارية،
أو لوبيات مالية دولية، لها مصالح في البلاد التونسية ثم إن اغلب المحيطين به
يحملون ذات الميولات السياسية والأخلاقية.. إنهم أنموذج متأثر بأوروبا الاستعمارية
ونظرتها الإتنولوجبية التي ترى أن أوروبا هي مركز العالم وأن سائر شعوب العالم
إنما هي شعوب من درجة ثانية متخلفة ومتأخرة في لغتها وثقافاتها... إن حزب آفاق لا
يعترف بمقومات الهوية الذاتية العربية الإسلامية لأنّ مثاله وهويته إنما هي فرنسا
وأوروبا كأنموذج للحداثة والتمدّن.
ولا يعرف هذا الرجل
شيئا عن تاريخية الأيديولوجيات والأفكار التقليدية المُؤسِّسَة للسياسة المعاصرة في العالم العربي، الإسلامية أو
اليسارية أو القومية، إنه يحمل بعض تجربة في إدارة الأعمال وحسب، أي إنه
يتبنى مقولات ليبرالية ورأسمالية دون عمق فكري، ورأس مقولاتها هو الحرص على تحقيق
المنفعة المادية والرّبح الأقصى... بمعنى أن الرجل لا يهتم كثيرا بكليّات الأفكار
التي تحرّك الجماعات الإنسانية مثل الهوية التاريخية من لغة ودين وتاريخ وعادات
وتقاليد ماعدَا دلالات "الحِنّاء في يديْه"... وهو لا يؤمن أصلا
بالمقولات التي تؤمن بدور الدولة وقدرتها في الإشراف على الشأن الاقتصادي العام.
هذا في جانب، غير أن
المستوى الأعمق في شخصيته إنما هو إنكاره للقيم الأخلاقية الجماعية، لان الليبرالي
حتى النخاع والرأسمالي، ينزع عن نفسه عادة أي ولاء للقيم الأخلاقية، إنه يندفع إلى
الطمع والأنانية الفردية الحادّة، والرغبة في الثراء بلا حدّ .
ولقد افتضح الرجل في
حادثة "بنك لازار"، وأقدم على تجاوز خطير وهو إسناد صفقة إلى جهة أجنبية
دون تطبيق الإجراءات القانونية في إعداد اللّزمات والصفقات العمومية. والأخطر أن
الرجل قد سرّب أسرار الدولة وما يتعلق بأمنها الاقتصادي إلى جهات أجنبية وهو ما
يعتبر مساسا بأمْن الدولة الخارجي. فضلا عن أن الوزير كان يشتغل سابقا في هذا
البنك، مما يثير شبهة قوية في وجود فساد في الصفقة...
والأسوأ من ذلك، أن
مجلس النواب قد كلف لجنة تحقيق منذ أشهر لتتقصى في القضية، والحال أن
مجلس النواب ذاته يعاني أزمة أخلاقية وقانونية من داخله لأن أغلب من فيه لا
ينتمي إلى النخبة السياسية وإنما ينتمي إلى الطبقة السياسية المسيطرة والفاشلة
والانتهازية.
ثم افتضح خبر
ياسين إبراهيم حين تسبب بممارساته اللامسؤولة في وفاة أحد كبار الإطارات بالدولة
التونسية المرحوم "العادل بن علي" المسؤول الأول عن ملفات التّداين
الخارجي... إذ حاربه "ياسين إبراهيم" ونكّل به وناصبه العداء لأشهر من
أجل اخضاعه لنزواته في اتمام الصفقات لقاء عمولات لخاصة نفسه.
مات الفقيد مدير عام
التعاون الإقليمي وترك خلفه فراغا استغله الوزير الفاشل من أجل تغيير صبغة القروض
الدولية وارتفعت بعض الصفقات بنسبة فاقت 300 بالمائة على غرار صفقة قرض انجاز محطة
كهربائية بجهة المرناقية.
هذا السقوط الأخلاقي
وهذه الدناءة في الوزير القادم من الغرب تتعالى لتفضح سُوء طويته ... لقد أمر
مؤخرا مصالح المالية صلب وزارته بتعطيل صرف جرايات الفقيد العادل بن علي نَكالةً
فيه وهو ميّت، وشماتة في عائلته، وعطل صرف المنحة العمرية ومنحة الدفن.... بل إنه
أمر مديرة المصالح المالية في وزارته السيدة "سنية الزواوي" بتعطيل صرف
مستحقات المرحوم في سابقة خطيرة وتجاوز صارخ للأخلاق وللقانون... وأصبح الملف
منقوصا من أوراقه... غير جاهز للبتّ... ثم سرقت بعض وثائق الملف... ثم تمنع عائلته
من حقها في جرايته ظلما وعدوانا... في دولة الذئاب الجائعة...
يا وزير التنمية، أتذكرُ
أحوال "الحَركييّن من قوَّداة" فرنسا بالجزائر، هربوا من أوطانهم وباعوا
ذِمَمَهم، إلا أن فرنسا صنفتهم إلى الأبد مواطنين من درجة سَاقطة.... ونحن نعلم
يقينا أنك تفتقد إلى شجاعة الرجال... حين تأمر أنت بإرادتك مديرة الشؤون المالية
المسمّاة "سنية الزواوي" بان تمنع الحق عن أصحابه... وان يأكلوا أموال
اليتامى بالدّسيسة والكيد والحقد الأعمى... وفي عددنا القادم قول آخر.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire