في مقارنة تاريخية بين حقبتين تاريخيتين، تونس البايات وتونس ما بعد
الربيع المزعوم، عثرنا على تشابه مريب، بين اللصوص من الطبقة
السياسية... كان ياسين إبراهيم مشروعا حقيقيا للصّ، يستعد لانجاز اكبر
السرقات على شاكلة بن عياد وخزندار وشمامة...
وقد رأينا أن نُعيد استقراء تاريخ تونس الحديثة، بدءا من القرن التاسع
عشر زمن الإيالة التونسية، أي تلك الحقبة التاريخية التي سبقت احتلال فرنسا لتونس
سنة 1881 ، إننا نرى تشابها في الأحداث التاريخية وفي مُسبّبات الاستعمار ومصادرة
السيادة الوطنية، ما بين دولة البايات وما بين الجمهورية الثانية.
كانت فرنسا والقوى الاوروبية شريكا استعماريا، يصنع المؤامرات والأحداث
السياسية في تونس منذ القرن 18م ، وكانت تتدخل بقوة في توجيه سياسات البايات وفي
إثارة الفتن الداخلية.
واستطاعت الحركة الوطنية أن تستعيد سيادة الدولة، غير أن 60 عاما من
الاستقلال لم توقف الأطماع الاقتصادية لفرنسا في تونس، رغم أن دولة فرنسا الحالية
تعيش في انحطاط اقتصادي وعلمي وتاريخي حسب المؤرخ "هشام جعيط"... وتجلّى
ذلك في ما بعد 2011 وسقوط نظام "بن علي"، حين ظهر مغامرون جدد في
السياسة تدعمهم القوة الاستعمارية السابقة دعما صريحا ومعلنا...
برز أدعياء سياسة يُسندهم اللّوبي الفرونكفوني ، هذا اللوبي
المُتنفّذ في السياسة والاقتصاد والإعلام... بل وكشف بعضهم في افتخار أنهم أصحاب
جنسية فرنسية وهم أبناء فرنسا.. ونجح آخرون في الدخول إلى قبّة البرلمان التونسي
أعلى سلطة تشريعية ... أو شغلوا مناصب وزارية في الدولة.
وفي سياق المماثلة والمحاكاة التاريخية بين دولة "البايات"،
وبين تجاذبات المشهد السياسي الحالي، يتضح لنا أن السيد وزير الاستثمار والتنمية
والتعاون الدولي "ياسين إبراهيم" يسير على نهج "مصطفى خزندار ونسيم
شمامة ومحمود بن عياد" وهم من كبار لصوص المال والسياسة في تاريخ تونس
...
أصبح هذا المغامر الفرونكفوني يشكل خطرا حقيقيّا على مصالح الدولة
الاقتصادية وموازناتها المالية، منذ أن افتضحت قضية بنك "لازار"، حيث
قام الرجل بتكليف بنك فرنسي خاص بالإشراف على إعداد مخطط اقتصادي للدولة التونسية
لقاء مبالغ مالية هامة تصرف من خزينة الدولة... والأخطر أن هذا الوزير قد خرق مبدأ
سياديّا وقانونيا هاما، وهو الحرص على الأمن الاقتصادي وحفظ أسرار الدولة المالية.
وهذه الوزارة لمن لا يعرف، هي المكلفة باستجلاب الأموال لانجاز
المشاريع الكبرى في الطرقات والجسور والمستشفيات والصناعة.... إنها دار الأموال،
والاقتراض، ومنبع السيولة للدولة والمشرفة على الصفقات الكبرى... استولى عليها
السيد "ياسين إبراهيم" في نطاق محاصصة بين الأحزاب ... وكان يعرف الرجل
انه قد وقع على كنز من ذهب.
كان المنتصرون في الانتخابات يلهثون للسيطرة على وزارات الداخلية
والعدل والدفاع والمالية ... وعرف السيد "ياسين إبراهيم" الفرونكفوني
حتى النخاع، أنه قد أمسك بعَصَب الأموال والاقتصاد، وفيها يَسيل لُعاب الطامعين في
العمولات و"الكمسيون" المالي... هذا "الكمسيون" الذي أسسته
فرنسا خلال القرن 19م، وفرضته على "باي" تونس، يعاود الظهور في جسم
الدولة الواهن أصلا، مع وزير ينتمي مرجعيا إلى عقيدة ليبرالية متوحشة لا تعترف
بالأوطان والهويّة التاريخية، ولا تؤمن بمبدأ المصلحة العامة... لأن صاحب رأس
المال الليبرالي جدّا، لا وطن له، سوى الأموال وتحقيق الربح الأقصى... وطنه هو
الشركات.
ونحن إذ ننشر سردا تاريخيا لفضائح أكبر اللصوص في التاريخ المعاصر
لتونس، فإننا نُنجز ذلك من باب التنبيه والتحذير، ومن باب الغيرة على وطن جريح،
لأننا بصدد رصد أعمال لصوصية وعمولات وكمسيونات، بدءا من قضية بنك
"لازار"...وما خفي كان أعظم.
محمود بن عياد:
ولد بمدينة تونس عام 1805 وتوفي
بمدينة إستانبول التركية عام 1880، وقد
عمل لفائدة دولة البايات الحسينيين وتولى خطة قابض عام للدولة
التونسية بما يساوي رتبة وزير.
ينحدر محمود بن عياد من عائلة ذات أصول من جربة ، وبفضل أنشطتهم التجارية أصبحوا من أثرى العائلات
التونسية. ومن عناصر هذه العائلة والد محمود بن عياد المسمى محمد بن حميدة بن
قاسم بن عياد الذي تولى قيادة سوسة ثم جربة فالأعراض،. ودخل ابنه "محمود بن عياد" في خدمة الدولة
الحسينية وتولى وظيفة قايد. ثم منصب قابض مال الدولة التونسية إلى تاريخ فراره
من تونس في جوان 1852 . وقد تمكن خلال ذلك من الحصول على الكثير من اللزمات ،
وأصبح هو مزود العسكر ومكلفا بجمع ضريبة العشر من الحبوب، فجمع بالسرقات ثروة
طائلة قدرت بحوالي ستين مليون ريال.
وفي جوان 1852 هرب إلى فرنسا بعد أن هرَّب ما جمعه من
ثروة تُقدّر بستين مليون فرنك، أي ما يساوي أربعة أضعاف ميزانية الإيالة
آنذاك، لقي حماية من فرنسا.
نسيم
شمامة:
هو ابن الربّي شلومو شمامة ، ولد عام 1805 وتوفي
بمدينة (Livourne) الإيطالية سنة 1873،
رجل أعمال يهودي تونسي عمل لفائدة البايات الحسينيين وتولى خطة قابض عام للدولة
التونسية.
اشتغل نسيم شمامة لدى عائلة بن عياد كقابض،
ثم انتقل ليعمل مع الوزير الأكبر مصطفى خزندار، قابض مال خاص له . وبعد
فرار محمود بن عياد من البلاد التونسية في
جوان 1852، عين عوضا عنه في منصب قابض مال الدولة ، وحصل على
رتبة أمير أمراء . وقد أصبح
يسيطر على الوظائف المالية. في عام 1864 اشتغل
مديرا لوزارة المالية. وأصبح من أثرى أثرياء البلاد حتى أنه أقرض الدولة الحسينية
عشرين مليون ريال . أما إزاء طائفته اليهودية فقد أسند إليه منصب قايد
لليهود. وفي جوان 1864، فر نسيم شمامة أولا إلى فرنسا ثم استقر بمدينة القرنة، وقد حمل
معه عند فراره إلى الخارج مبلغا لا يقلّ عن ثلاثين مليون فرنك متأتية
من اختلاس مال الدولة، ولاحقته دولة البايات بتهمة اختلاس أموالها.
واليوم تعلن جريدة الثورة نيوز عموم
التونسيين أنها تشهد الله والتاريخ أنها قد تفطنت إلى وزير سارق في الحكومة,
يتخذ من الاحتيال والعمولات نهجا للإثراء على حساب المجموعة الوطنية. وان الوزير
اللّص بات يفرض على البنوك المُقرضة فوائض في شكل عمولات تنزل في أرصدته بالخارج،
ونحن نتحدى السارق ياسين أن يكشف عن حساباته قبل أن يشغل خطة وزير للنقل
فضلا عن وزير للاستثمار والتعاون الدولي...
اللّهم إني قد بلّغت، اللّهم فاشْهد...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire