جلال
المهذبي تونسي لم يبلغ
العقد الخامس من عمره أصيل منطقة عين الرحمة من معتمدية بوفيشة
المنسية يشتغل مدير قسم التغذية بالمستشفى العسكري بالرياض
السعودية و تحديدا في
مبنى كبار الشخصيات التابع لوزارة الدفاع السعودية ... عاد إلى تونس صحبة
زوجته و أبنائه الأربعة عبير و علاء و إيمان و ملاك سنة 2011 ليظل يغدو و يروح بين
السعودية و تونس...لم يستطع ضيفي
الحزين أن يواصل سرد حكايات الماضي
لحلاوة أيامها ...رفض ان يفتح
دفتر الذكريات و مال إلى زمن الحاضر يروي تفاصيل قصته
بلغة حارقة و قلب دام وصوت
مختنق لا تقطعه إلا تنهدية
يرفع بعدها يده ليحكّ
شعره الأبيض في حركة هستيرية ... قال " يا صاحبي تمضي أيام من عمري وعمر الزمن وتبقى ذكرى موت زوجتي
هاجساً مريراً ينغصّ حياتي ...إني الآن أبوح بعد أن شنق البوح صمتي , وتوالت شروخ أعماقي وأبت إلا أن تنزف دماً وإنها لذكريات ولكن لا تزال ترسباتها في أعماقي , وما كنت لأكتبها لولا الذي أيقظها فأبكاني ,, وكشفها فأشجاني وسأبتدئ بأيامي من أولها .. لا لأنها من الأحزان جاءت بل لأنها من الأحزان انتهت فبالأمس وقبل أن تنطفئ قناديل الأمل من سماء حياتي وقبل أن تحرق نار الفراق أحشائي كنت كالنحلة قرب زوجتي لا أتذوق غير رحيقها ولا أهفو إلا إلى ضوئها أينما شع ... كنت لها أغرودة الحياة وكانت لي نعمة الوجود ..
و
اليوم أتذوق مرارة موت زوجتي و أستطعم بطعم الوحدة وتتقاذفني
أمواج الخوف وانتحرت
أيامي الحلوة وطمست معالمها وبت لا اعرف بحضن من اختبئ .. لقد
مات زوجتي يا صاحب القلم
وتوارت تحت الثرى
فبكيت فراقها وفقدت حنانها
ودفء أحضانها وعذوبة مناداتها
فأقبلت بوجهي على الأحزان
أجوب خضم الحياة القاسية
صامتة يحتويني الاحتراق
ويثقلني الانكسار في زمن
حب الذات ,,, لقد كانت زوجتي
هي الدنيا والنعيم الذي
يملأ شعوري ... كانت هي ذروة
كل سعادتي ..
فيا لهفي عليها والموت ينزعها ...ويا عزاء نفسي كيف تندمل جراحاتي.. لقد أحسست بأني نبذت من الوجود لأن الوجود هي.. فحزنت حتى تقرّحت مشاعري وتألمت حتى أشفق الألم عليّ .. لكن مشيت في الحياة خطوة خطوة وتجرعت كأس الألم قطرة قطرة ورضيت بما كتبه الله لي من شتات أحزاني في قاع أعماقي وهربت بها عن أعين البشر أجوب فيافي النسيان وقفار السلوى.. فقد علمتني الحياة الشموخ عند الشدة والصمود في وجه المحن... فقررت أن أبوح
إلى قلمك ولا أستعين
إلاّ بمنبركم لإنارة الحق
...
في شهر جوان
من سنة 2015 أحست زوجتي
الفقيدة طيب الله ثراها
بأوجاع على مستوى كتفها الأيمن
فحملتها إلى عيادة طبيب عام هيكل الطويل في مدينة النفيضة فحصها و منحها
مضادات للأوجاع و لكن لم
تنفع عدت بها إلى نفس الطبيب الذي نصحنا باللجوء إلى طبيب
أعصاب فأوجاعها قد تكون حتما
من الأعصاب ... سألت أهل الخير
فنعتوني على رئيس قسم الأعصاب بمستشفى سهلول
سفيان بن عمو و حملت
المريضة له في عيادته
التكميلية ففحصها و طالب بضرورة المبيت
في المستشفى لإجراء التحاليل
اللازمة من الغد ... فعلا تم ذلك و ركنت
زوجتي في المستشفى 3 أيام اخذوا
منها عينات من الدم و تم
إرسالها إلى معهد باستور لإجراء
التحاليل و الوقوف على النتائج و في
المقابل منحها أدوية مسكنة و سمح لها بمغادرة المستشفى ..
عادت
الزوجة إلى البيت و بعودتها تفاقمت آهاتها
و ازدادت أوجاعها و أصبحت لا تطاق و كنا
نصبر أنفسنا على أساس أن تأتي التحاليل من
باستور ... طالت المدة أكثر من اللزوم
و التحاليل لم تجهز بعد
فاتصلت بأحد الأطباء الطيبين الذي قام بتدخلات لي في
المعهد تم على إثرها
إرسال نتائج التحليل له عبر الايمايل ...اتصلت بالدكتور بن عمو اعلمه بان التحاليل
جهزت و أن زوجتي ازدادت
أوجاعها فلم يبال بي بالمرة فلجأت إلى نفس الدكتور الذي
تدخل لي في باستور لإقناع زميله بالاطلاع على فحوى التحليل و الكشف عن مرض
زوجتي إلا انه انتفض في وجهه و كش و نش و طالبه بعدم التدخل
في عمله ...
تعكرت
حالتها و تطورت سلبيا فتم
إخضاعها إلى التصوير على آلة IRM حيث
تبين أنها تشكو من التهاب في
النخاع الشوكي و لإيقاف الالتهاب تم إخضاعها
لحصص تغيير الكريات البيضاء في
الدم عبر المكنة المخصصة لذلك و
خص لها طبيبها المذكور
3 حصص إلا ان المكنة تعطلت و لم تنته المرأة من المعالجة و
في وقت كان لزاما علىّ اللجوء إلى الآلة الأخرى المخصصة
لذلك أنزولها و أطردوها من المستشفى بتعلة أن الآلة لا تشتغل و لإتمام حصص المعالجة عليها انتظار ان تصلح
الآلة الملعونة رغم أنه في القسم توجد آلة أخرى وهو ما يؤكد على عدم
الاكتراث بصحة المريض ..
عاودتها الأوجاع
في المنزل فعدنا بها إلى نفس القسم
فمنحها الطبيب صبرة واحدة 10 حصص لتقوية
المناعة أو ما يسمى في المعجم الطبيب
"بلازمافراز "الأمر الذي جعل جسمها يفقد كل مناعتها نظرا للحصص الزائدة و التهب جسدها
حرارة حيث ظل تكابد حرارة تتراوح بين 40و 42 درجة ورغم تمكينها من كل المضادات الحيوية الا ان
درجة الحرارة لم تنخفض ... و الغريب في
الأمر أن عملية تقوية المناعة كان لزاما
ان تكون في قاعة معقمة بعيدا عن ضروب
الفيروسات غير أنها تمت في قسم
فيه أشغال جارية ..
لم يجد أهل
القسم سببا مقنعا لارتفاع درجات
الحرارة فعاجوا يتكهنون فيقولون مرة أنها مصابة بمرض السل و يقولون مرة أخرى بها التهاب و يقولون ثالثة
إنّ فيروسا هتك جسدها عند عملية
التقوية .. ومع كل معزوفة يتغير فيها
اللّحن تزداد حالتها سوءا .. ظلت على تلك الحالة في المستشفى شهرا و 10 أيام
تهرأ جسدها و طاب و فقرع كيف لا يتهرأ و المرأة مدودة على حشايا مائية مثقوبة مع كل "تقليبة "
يقلبونها يجدونها "منفخة
بالماء" و لا من مجيب ... مواصلين في
تعليمات " انزع مضادا
حيويا وضع مكانه آخر و من كثرة المضادات الحيوية تداعت كبدتها
فأصابها مرض ضرب جزء من جسدها ...
و لم يجد جماعة الطب
من حل سوى الطلب
من العائلة بالعودة بها إلى منزلها
في حالة شلل تام بعد أن خربوها و حولوها إلى مخبر تجارب ...بعد 3
أيام عاود الأهل الاتصال بالدكتور بن عمو
لاجئين له على اعتبار ان حالتها تعكرت أكثر إلا انه و
بنفس الأسلوب نهرهم و قال
لهم ليس لي ما افعل لها في القسم
.. طلبوا منه التقرير الطبي الخاص
بها فامتنع و لا ندري لا ي سبب... و حملوها على جناح السرعة إلى مصحة
الزياتين هناك اجروا لها من جديد كل التحاليل
بكلفة تناهز 9الاف دينار ولم
يجدوا لا إصابة بمرض السل و لا هم
يحزنون ... بل تبين ان كبدتها لا تشتغل الا بنسبة 40بالمئة و البقية ميتة .. لتظل زوجتي 12 يوما في المصحة ... قبل ان تخطفها يد
المنية دون عودة ...
لا را د لقضاء الله
و لكن إلى يوم الناس هذا لم نظفر بالتقرير الطبي ...و
بقدرما رضينا بحكم الله و ساعته فإننا لن
نرضى عن اللامبالاة و التقصير الطبي الذي
تعرضت له ... انتهت معاناة زوجتي مع المرض
... و انطلقت معاناتي انا مع الزمان و الطبيب الذي لا يراعي ضعف الإنسان
....
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire