يبدو أن العمل البلدي في النيابيتين الخصوصيتين لكل من
بلدية القلعة الكبرى وأكودة مازال يتقهقر نحو درجات تحت الصفر فلا الأولى و لا الثانية عابئة
بما يحصل في مدينة سوسة من أحداث إرهابية و ما يتهددها من هجمات قد تأتي في كل لحظة وحين ... نقول هذا الكلام
على اعتبار ما رصدناه من
ظواهر حزينة لا دلالة لها سوى
كون البلديتين غارقتين في سبات عميق لم تستفيقا منه بعد ..
مظاهر دفعتني إلى استحضار بعض الروايات
القديمة عن تاريخ أجدادنا الضارب بجذوره في أعماق الماضي و قلب الحضارة..تاريخ صنع
رجالا منهم من قضى نحبه و منهم ما بدل تبديلا..روايات مدارها
صعوبة الحياة و قساوتها في سنوات خلت كانت بين أجدادنا والعتمة ألفة غير مصطنعة. كان الضوء بالكاد ينزّ من نوافذ "البيوت
" و" الاكواخ "المنكفئة على ساكنيها. وكانت الشوارع بلا مصابيح
تُغرق عابريها هي الأخرى في موج من العتمة الداجية،.حتى كبار السنّ الذين نزحوا
إلى المدينة من القرى معتادين على ظلمة المسالك وضوء سراج الزيت أو ما يعرف
بالفتيلة في البيوت. والصّغار الذين ولدوا في المدينة من أمثالنا ، اعتادوا أيضاً
انقطاع الكهرباء الكثير، والسهر على السراج
أو الشموع الأفضل إنارة في أحسن
الأحوال.
شيء مشابه، ومختلف، انتابني وانا اعبر الطريق
الرئيسية من مخرج حمام سوسة مارا بالمنطقة
الصناعية باكودة مرورا بوادي العروق ثم
بالقلعة الكبرى و الرميلة وصولا إلى مدخل
الطريق السيارة على مستوى جسر سيدي بوعلي... الطريق المعهود الذي
يسلكه الوزراء و المسؤولون و
الرؤوساء الوافدون من تونس إلى سوسة ... وهو أول
طريق لذلك سمي بالطريق الوطنية رقم 1 ... و لئن كان الطريق واسعا شاسعا يتوفر
على اتجاهين منفصلين فانه ظل غارقا في
ظلمة داحسة على اعتبار أن كل المصابيح المعلقة على حافته شمالا و يمينا لا
تشتعل بل من باب كثر الهم يضحك رصدنا مصباحا واحدا ينير الدرب من بين مئات المصابيح
المنتشرة و المرصفة على مسافة تزيد عن 30 كلم ... مصابيح لم تلمسها يد الصيانة و عميت عين البلديتين عن رؤيتها بل تناستها من باب الإهمال و التقصير
...فكانت النتيجة ظلاما داحسا يهدد
مستعملي الطريق و ينعش حركة جولان الإرهاب
.
حيث
أطبقت على الطريق الرئيسية العتمة الليلية بفعل الغيم والمطر اللذين اختصرا
العابرين، وبسبب ذهاب مصابيح الطريق التي اغتالتها الرياح فأحرقت بعضها و نهشت جسد بعضها فانهارت و ظلت تتدلى
في لحظة موت طويلة ...
بدت
الطريق غير مألوفة في الضوء القليل أو قل الضوء المنعدم ، وكأننا نمرّ
بمنطقة ريفية في مناطق الظل التي ما تزال
تعيش و تحيا على ضوء الشموع لا في منطقة
صناعية و على قاب قوسين أو أدنى
من المنطقة السياحية . كنت بالكاد التمس الطريق أمام مصابيح السيارة
الكليلة مُحاذرا الاصطدام بالرصيف.في تلك الطريق، ما تزال المصابيح مطفأة منذ
أيّام طويلة، على غير عادة.
ويزيد الظلمة إسدال المصانع و الحوانيت أبوابها و ستائر نوافذها بإحكام،
بُغية اعتقال الدفء العزيز في هذه الليالي الباردة. وباختفاء قامات المباني خلف
حُجب العتمة، يروق للمخيّلة أن تصطنع ما تشاء بالمشهد، فتشكّل شيئاً قديماً،
بدائياً وقرويّ النكهة.
في وقت شح فيه الضوء في الطريق
الوطنية رقم واحد على مستوى بلديتي
القلعة و الكبرى وأكودة كانت يد الغدر الإرهابية تستغل تلك الظلمة القاتمة لتتنقل بسهولة في
طرقنا لتسهيل تنفيذ مخططاتها الرهيبة فهي تستغل لامبالاة المسؤولين و ضعف العمل الإداري
و حالة التقصير و الإهمال لتنفيذ ما خططت له ...
و
المار ليلا من الطريق ينتابه شعور بالخوف و المار نهارا ينتابه شعور انه في بلد
أشبه ما يكون " ببلاد التررنني"
فحالة المصابيح رثة تدلت مصابيحها في مشهد انتحاري و تناثرت أغطيتها و مالت
في بعض المواضع أعمدتها و البلدية لا ترى ..و كأننا بالمسؤولين من جنس
هؤلاء الذين " جعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم
لا يبصرون" ...فهل بهؤلاء نستطيع
مجابهة الإرهاب و إعادة البسمة للمدينة ...فمتى تستفيق و تشع النور ...أيها
المسؤول الطرطور ...؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire