معالي الوزير ..سلام رائق ... في زمن شائق
و بعد
نحن نعلم وأنتم تعلمون أننا في هذه الصحيفةتخلصنا من كلّالقيود ولامست أقدامنا تجربة جديدة تعني ممارسة الحرية بكل طقوسها لذا تخيرت في الكتابة لكم مداعبة قلم الرصاص بدل قلم الحبر الأحمر القاني ..مع تحفظي على كلمة رصاص لأننا نريده قلم حياة ، فالحياة عزيزة و كثيرون يأبون إلا أن يقطفوها كزهرة استعجلوا وأدها ...
منذ البدء إيماننا راسخ في أننا سواسية فلا فرق بينكم و بيننا إلا بالتقوى و مع ذلك اخترت أن أخاطبكم بلغة الجمع إكراما لمنصبكم و تقديرا لسنكم و إجلالا لمقامكم فلا تحسبنها لغة نفاق من باب التملق و الرياء ...
كانت أمنياتنا مدادا لا ساحل له حينما تم تعيينكم في منصب وزير الداخلية و حلمنا ان تكونوا حاملين لرسالة فريدة في عهد جمهورية ثانية ناشئة ..رسالة في حجم المسؤولية المنوطة بعهدتكم فتكون مثلا يضاهي أو تكاد رسالة من تحت الماء لنزار قباني و مضمونها أطرف من رسالة ابن زيدون إلى ابن عبدوس و قالبها أرهف من رسالة أحمد أمين لابنه و خلاصتها أمتن من رسالة أبي القاسم الشابي إلى صديقه محمدالحليوي ... غيرأنه هيهات.. فقد خابالمسعى... و أبرزتم أنكم لاتفقهون فيأدب الترسّل ولم تختبروا فنونه.. و تعللتم أن الداخليةلا تحتكم إلى الرسائلبل إلى البرقيات .
قلنا بعد تعيينكم - و قد طالتكم ألسنة خلانكم فكانت النيران الصديقة كاشفة لأفق المسكوت عنه، بعد أن فتح اترابكم نار جهنم على جوانب مظلمة كانت محط انتقاد الكثيرين -ربما يتعرض الرجل للتشفير ولمذبحة لإفراغه من مدلوله الحقيقي و إلباسه تهما كلها جاهزة و جائرة و عرجنا نزرع املا جديدا مرددين إن كان معاليه لا يفقه في أدب الرسائل ،فربما يكون من عشاق أدب السجون و لا ريب انه تمعن في سطور الروايات المنقوشة في زخم هذا الأدب و المولودة من رحم زنازين الداخلية و اغوارها كتلك التي اسمها "شرق المتوسط " لعبد الرحمان منيف أو " تلك العتمة الباهرة" للطاهر بن جلون أو "تزممارت: الزنزانة رقم 10" لأحمد المرزوقي أو حتى " يا صاحبي السجن " لأيمن معتوق... غير أنه مرة أخرى أصبنا بخيبة أمل فالوزير لا يحبّ أن يكون من ناكسي الرؤوس بل يريد أن يرنو إلى القمة الشماء ... و تعللتم بأنهيبة الأمنيكما العسكري لا تستقيمإلاّ وهو مرفوع الرأس .
قلنا ربما ينحو الوزير منحى الرواية فتعجبه مثلا رواية منصورة عز الدين "جبل الزمرد " التي قيل إنها رواية جاءت في قالب نصّ تمرّد على لعنة الإرهاب وقلنا لعله يهيم بالرواية الجزائرية "خرفان المولى" لياسمينة خضرة و التي تروي فيها نشاط حركة إسلامية سريّة في قرية صغيرة..وذهب في ظننا أنه قد اطلع على رواية ''نجوم سيدي مومن'' - الفقر والبؤس أرض خصبة للإرهاب للكاتب المغربي ماحي بنبين ...وحسبنا أنه انكب يطالع مجلد "إدارة التّوحش " لفهم المقاربة الإرهابية و قواميس الظاهرة و ابطالها دعاة الموت .. غير أن أملنا ظل يهتز و يتخلخل مع كل دكة ارهابية .
لم نجد نحن ما نقول و قدتراءت لنا ملامح وزير الداخلية محمد الناجم الغرسلي سوى ذاك الرد الذي خص به الاعرابي الحجاج ابن يوسف حينما خطب في الناس فقال " منذ أن وليت عليكم ذهب الله عنكم الطاعون " فرد الاعرابي " الموت ارحم لنا من أن يجتمع علينا أنت و الطاعون ..."
صحيح أن وزارة الداخلية هي وزارة المحظور والخوض في حقل الألغام و الأشواك و المعلوم أن التذكرة التي يدفعهاالبواسل من أمننا و جيشنا كان ثمنها و لا يزال باهظا، بعد أن وجهواأسلحتهم نحو مصاصي الدماء وصرخوا بثغورهم متحدين ذلك المصير المشؤومو كانوا شجعانا في اقتفاء أثرهم و منازلتهم في جحورهم رغم علمهم المسبق أنهم يضمرون كل الحقد للأمن و الجيش وأنهم لن يتأخروا في الانقضاض عليهم وتدبير الدسائس و المكائد ضدهم وتسخير عتادهم لقتلهم ... و صحيح ان رجال الامن و الجيش ظلوا ثابتين على رسالتهم النبيلةالمقدسة بل هم عليها مصرونرسالة إن لزم الأمر ان يموتوا ويحرقوا في سبيلها. خاصة و أن وراءهم جحافل من المواطنين المضطهدين المهمشين الذين يعانون في صمت و يصطفون وراءهم بعد أن وجدوا فيها عنوانا لتصريف خوفهم و تخليصمعاناتهم و ملاذا لسترهم في الحياة ...إذ لا أحد يستطيع حجب رائحة النضال عن أمنييننا وجنودنا البواسل التي غدت جزءا من روحهم . و لا مجال اليومأن يتحول نضالهم إلى رماد .
غير أنه و الحقيقة تقال برزتم في صورة الدخيل المسقط على الوزارة التي انفلت طاقمها و يصعب السيطرة عليه و تجميعه .. فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها ... فليس ذلك تقزيما لكفاءتكم أو تحاملا عليكم و انما المرحلة تتطلب وزير حرب بامتياز وزيرا يجيد فنون القتال و فقيها في لعبة الميدان و عليما بسياسة الكر و الفر و خبيرا في السلاح و زعيم معارك و رجلا صلبا قويا توشح صدرهبالنياشين و له تجربة في العمليات الحربية و له دربة في مواجهة التكتيكات الاجرامية و الإرهابية ... لا وزيرا تديره نسائم الوشايات وتأخذ مناحي الحياة فيعلق فشله بطرد مريم و الابقاء على عنايات وأحيانا يصل به الامر حتى ظلم الكفاءات .
ففي عهدكم ضرب الارهاب وازدهرو الأخطر أنه اقترب بل هو استقر بجانب وزارات السيادة و كاد يضاجع المسؤولين في إداراتنا و لا حياة لمن تنادي ... " ما زال يكتب شعره العذري ، قيس.....واليهود تسربوا لفراش ليلى العامريه...حتى كلاب الحي لم تنبح ....ولم تطلق على الزاني رصاصة بندقيه"
فلا مناص اليوم من القول انكم جعلتم من تحدى رئيس الحكومة الحبيب الصيدللأصوات الرافضة لتعيينكم في البداية لذات المنصب سريرا تتكئون عليه و أنتم تعلمون أن رئيس الحكومة لن ينحني و يقيل وزيره الذي تحدى الجميع من أجله و يظهر أمام الكل انه المهزوم من خلال اختياره المشؤوم ... لكن حفظا لماءالوجه و اكراما له و لكم لابد من اختيار خيار واحد من بين خيارين لا ثالث لهما إما أنن يزأر الصيد أو أن يقلع الغرسلي نباته .. و تلك قمة الانتصار في زمن الانكسار ....
ختاما نقول لكم و أنتم لا أدب الترسل جمعتم و لا على ادب السجون اطلعتم و لا لرواية الارهاب قرأتم .. خذوا منا تلكم الاشعار هدية لكم لما فيه خير الكلام ... نرفقها طبعا بالتحية و السلام... مطلعها عباس و خاتمتها حديثنا قياس :
عباس وراء المتراس ،
يقظ منتبه حساس ،
منذ سنين الفتح يلمع سيفه ،
ويلمع شاربه أيضا، منتظرا محتضنا دفه ،
بلع السارق ضفة ،
قلب عباس القرطاس ،
ضرب الأخماس بأسداس ،
(بقيت ضفة)
لملم عباس ذخيرته والمتراس ،
ومضى يصقل سيفه ،
عبر اللص إليه، وحل ببيته ،
(أصبح ضيفه)
قدم عباس له القهوة، ومضى يصقل سيفه ،
صرخت زوجة عباس: ' أبناؤك قتلى، عباس ،
ضيفك راودني، عباس ،
قم أنقذني يا عباس' ،
عباس ــ اليقظ الحساس ــ منتبه لم يسمع شيئا ،
(زوجته تغتاب الناس)
صرخت زوجته : 'عباس، الضيف سيسرق نعجتنا' ،
قلب عباس القرطاس ، ضرب الأخماس بأسداس ،
أرسل برقية تهديد ،
فلمن تصقل سيفك يا عباس' ؟'
( لوقت الشدة)
إذا ، اصقل سيفك يا عباس
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire